ضرورة محاسبة مبرري جرائم الأسد لحماية العدالة والسلم الأهلي

في هذه الحقبة العصيبة، حيث تتجه أنظار جموع الناجين من فظائع نظام الأسد نحو بصيص أمل يلوح في الأفق، تفاجئنا بعض المنابر الإعلامية باستضافة شخصيات اشتهرت بتبجيلها للنظام وتبريرها للفظائع التي أدمت قلوب الضحايا على مر السنين. هذا المشهد يمثل استثارة لمشاعر الذين اكتووا بنار الظلم والجور، وينطوي على خطر محدق بالسلم المجتمعي، إذ قد يدفع بعض الضحايا إلى سلوك درب الانتقام في ظل غياب آليات عدالة تمنحهم الإنصاف الذي يصبون إليه.
إن القضية الجوهرية التي يجب تسليط الضوء عليها هي ضرورة التصدي لظاهرة استضافة هؤلاء المؤيدين والمبررين لجرائم النظام في البرامج الحوارية المتنوعة أو الفعاليات الثقافية المتباينة، لا سيما بعد تقويض أركان سلطة نظام الأسد المستبد وبدء مرحلة جديدة من المفترض أن تمهد الطريق لتحقيق العدالة الانتقالية المنشودة.
إن التساهل مع تبرير الفظائع والعنف الذي طال شرائح واسعة من المجتمع، لن يفضي إلا إلى تعميق الانقسامات المجتمعية وإبطاء مسيرة إحقاق الحق. لقد غدا لزامًا علينا أكثر من أي وقت مضى التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر في اختيار الضيوف، وتحمل مسؤولية مهنية وأخلاقية جسيمة تضمن احترام كرامة الضحايا وصون حقوقهم، ورسم معالم مستقبل ينعم بمزيد من العدل والاستقرار.
على امتداد سنوات عجاف، رزحت سوريا تحت وطأة انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان ارتكبها نظام الأسد، بما في ذلك الإخفاء القسري والتعذيب الوحشي والقتل خارج نطاق القانون. ووفقًا لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن نظام الأسد وحلفاءه يتحملون مسؤولية ما يقارب 90% من تلك الانتهاكات الموثقة.
في ضوء هذا الواقع المرير، تتجلى أهمية العدالة الانتقالية التي تعرف بأنها مجموعة من الآليات والتدابير الهادفة إلى تحقيق المساءلة والمحاسبة، والكشف عن الحقيقة الغائبة، وجبر الضرر الواقع والإصلاح المؤسسي الشامل، بما يضمن عدم تكرار هذه الفظائع المروعة.
ولأن الإعلام يشكل أحد الأركان الرئيسية في مرحلتي النزاع وما بعده، فإن دوره لا يقتصر على مجرد التغطية الإخبارية للأحداث الجارية، بل يتعدى ذلك إلى كونه أداة محورية إما في تهدئة الرأي العام ورأب الصدع الاجتماعي المتفاقم، أو في إعادة إنتاج سرديات تبرر الجرائم وتخلق مناخًا مؤاتيًا لبروز ضغائن جديدة.
من هذا المنطلق، يصبح التعاطي المسؤول من قبل المنابر الإعلامية المختلفة دعامة أساسية لإنصاف الضحايا وتعزيز المسار الانتقالي نحو دولة تحترم حقوق الإنسان وتحميها وتوفر ضمانات حقيقية لعدم العودة إلى دوامة الانتهاكات المتكررة.
تكمن الإشكالية المحورية في أن العملية الانتقالية لا يجب أن تقتصر على ملاحقة الجناة الفعليين الذين ارتكبوا أبشع الفظائع بحق المدنيين الأبرياء، بل يجب أن تمتد لتشمل أولئك الذين أيدوا وشرعوا هذه الانتهاكات، سواء كان ذلك دعمًا ماديًا أو سياسيًا أو إعلاميًا.
إن تبرير الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ليس مجرد "رأي مخالف" يمكن التعامل معه باستخفاف، بل هو انخراط فعلي متجذر في إعادة إنتاج السرديات التي تسلب الضحايا إنسانيتهم وتضفي شرعية زائفة على مظالمهم.
من هذا المنطلق، يصبح الصمت عن هؤلاء أو دعوتهم للظهور الإعلامي دون محاسبة واضحة إمعانًا في التغاضي عن الآلام التي عانى منها الملايين من السوريين، ويرسل رسالة خاطئة إلى المجتمع مفادها أن مجرد تغيير رأس النظام كاف للوصول إلى العدالة، بينما تبقى الشبكات الداعمة في مأمن من المساءلة والمحاسبة.
على الصعيد النفسي والاجتماعي، تشكل استضافة الشخصيات المبررة للجرائم استفزازًا مباشرًا لمشاعر ملايين الضحايا وذويهم المفجوعين، مما قد يولد موجة جديدة من الغضب وعدم الثقة في أي عملية انتقالية، ويفتح الباب أمام احتمالات خطيرة من العنف الانتقامي.
فعندما يرى الناجي أن من برر قتله أو تعذيبه في الماضي ما زال يمنح منصة للترويج لخطابه المسموم، فإن ذلك يضعف ثقته في مصداقية مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام على السواء، ويقوض فرص إرساء بيئة مهيأة للمصالحة الوطنية الشاملة.
ذلك أن انتقال المجتمعات من عصر الاستبداد والقهر إلى مرحلة العدالة والإنصاف لا ينحصر في معاقبة المتورطين المباشرين فحسب، بل يستلزم تفكيك المنظومات الثقافية والفكرية التي سمحت بتمرير الانتهاكات وتبريرها أمام الرأي العام.
أما فيما يتعلق بالسلم الأهلي، فإن غض الطرف عن هذه الشريحة المتورطة، وتبرير وجودها في الفضاء العام دون أي اعتذار فعلي أو إسهام حقيقي في جبر الضرر، يرسخ لدى الضحايا شعورًا عميقًا بالظلم ويغذي مشاعر الانتقام التي قد تهدد بنسف التعايش المجتمعي برمته.
فالعدالة الانتقالية، كما تستلزم كشفًا للحقيقة واعترافًا علنيًا بالمسؤولية، تنشد أيضًا إعادة ترميم النسيج الاجتماعي المتهالك عبر خطوات ملموسة تمنح الناجين الإحساس بأن كرامتهم قد استعيدت وأن المجتمع بأسره يقف في صف الحقيقة والعدل، لا في صف النافذين والمبررين الذين كانوا جزءًا لا يتجزأ من منظومة القمع والاستبداد.
وفي هذا الإطار، فإن تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بأبعاده القانونية والأخلاقية والاجتماعية، هو صمام الأمان الذي يضمن احتواء مشاعر الضحايا السلبية من مرارة وإحباط، ويمهد الطريق أمام مرحلة سياسية ومجتمعية تحترم حقوق الإنسان في العمق، بدل أن تكتفي بتغيير أسماء القادة أو استبدال رموزهم بأخرى.
الحجج والدلائل الداعمة
1- الركائز القانونية
- حدود حرية التعبير وجرائم التبرير: إن الأصل الراسخ في القانون الدولي لحقوق الإنسان هو أن لكل إنسان الحق المطلق في حرية الرأي والتعبير، وفق ما تنص عليه المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
بيد أن هذه المادة نفسها تقر بإمكان فرض قيود محددة على هذا الحق، شريطة أن تكون تلك القيود ضرورية ومتناسبة وتحمي المصالح العامة العليا، لا سيما في حالات التحريض العلني على العنف أو تبرير الجرائم الدولية التي تهدد السلم والأمن.
وبالتالي، فإن تبرير الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب لا يمكن اعتباره يندرج ضمن الحريات المصونة، بل هو انتهاك صارخ يزيد من إيلام الضحايا ويهدد السلم المجتمعي الهش.
- سوابق دولية في تجريم التمجيد أو الإنكار: لقد شهدت بعض التجارب الأوروبية قوانين مشددة تجرم إنكار الجرائم المرتبطة بالأنظمة الشمولية، وتستند هذه الخطوات التشريعية إلى قناعة راسخة مفادها أن عدم التصدي لإنكار أو تمجيد الجرائم الجسيمة يخلق بيئة خصبة لإعادة إنتاج العنف والقمع. وعليه، قد تكون هذه النماذج القانونية مصدر إلهام لحالة سورية انتقالية تسعى جاهدة لصوغ نصوص تشريعية تجرم تمجيد أو تبرير الأعمال الوحشية التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري.
2- الركائز الأخلاقية والاجتماعية
- احترام كرامة الضحايا وحفظ السلم المجتمعي: تعد حماية كرامة الضحايا مبدأً أخلاقيًا وإنسانيًا ساميًا لا يقبل المساومة أو التنازل، فضلًا عن كونه أداة حاسمة وناجعة في استعادة الثقة المتزعزعة داخل المجتمع. إذ يشعر الناجون أن معاناتهم يتم الاعتراف بها وتقديرها حق قدرها، مما يساهم في تهدئة الغضب الداخلي المتأجج لديهم ويمنع أي ميول انتقامية مدمرة. فعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية أو أخلاقية رادعة ضد من يبررون الفظائع يعني ضمنيًا إباحة الاعتداء على إنسانية الضحايا مجددًا.
- أهمية جبر الضرر المعنوي مبكرًا: قد يستغرق تأسيس محاكم العدالة الانتقالية أو لجان الحقيقة والتحقيق المستقلة وقتًا مطولًا، بيد أن الضحايا لا يستطيعون الانتظار لسنوات طويلة وهم يشاهدون مجرمي الأمس وداعميهم يتجولون في الفضاء العام دون أدنى شعور بالمسؤولية أو الندم.
ولهذا، تصبح خطوات الاعتذار العلني والتعويض المادي والمعنوي ورد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين إجراءات أساسية تنفذ بشكل مبكر، بحيث تشكل اعترافًا صريحًا بوقوع الجريمة وتحملًا للجزء الأكبر من أعبائها الأخلاقية الثقيلة.
إن هذه الخطوات هي حجر الزاوية في بناء السلم الأهلي المتين وتعبد الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، عبر بعث رسالة واضحة مفادها أن زمن الإفلات من العقاب وتمجيد الانتهاكات الفظيعة قد ولى وانقضى بلا رجعة.
الرد على الاعتراضات
"عدم العلم"
يدعي بعض الموالين لنظام الأسد أنهم لم يكونوا على دراية كاملة بحجم الممارسات القمعية الممنهجة، أو أنهم صدقوا الدعاية الرسمية المضللة التي تنكر وقوع انتهاكات جسيمة. غير أن هذا الادعاء بالجهل لا يعفيهم بأي حال من الأحوال من المسؤولية الأخلاقية أو القانونية، خصوصًا بعد توافر وثائق وشهادات وأدلة دامغة وواسعة النطاق توثق تلك الجرائم المروعة.
في إطار العدالة الانتقالية، يترتب على الأفراد الذين دعموا النظام أو برروا جرائمه واجب مراجعة الذات وتثقيفها، بدل الاستمرار في إنكار الحقائق الثابتة. فمن غير المقبول على الإطلاق أن تبرز حجة "عدم المعرفة" بعد سقوط نظام الأسد، في وقت باتت فيه المعلومات الموثوقة متاحة للجميع. إن الاعتراف الصادق بالتقصير والجهل في الماضي، إن أرفق بتحمل العواقب والمسؤوليات في الحاضر، قد يشكل خطوة إيجابية على طريق استعادة ثقة المجتمع المنكوب.
خطاب الانتقام
يمثل الخوف المتأصل من الانتقام أحد الهواجس المتكررة لدى الداعمين السابقين للنظام، كما قد يكون دافعًا قويًا للضحايا أنفسهم إذا ما استمر تجاهل مطالبهم المشروعة. إلا أن التجربة التاريخية القاسية تبين أن غياب المساءلة والعدالة يؤدي في النهاية إلى تفاقم نزعة الثأر الأعمى ويغذي دورات جديدة من العنف المدمر.
على النقيض تمامًا، فإن مساءلة المبررين والجناة الفعليين، وما يصاحب ذلك من إجراءات تصالحية شاملة كالمصارحة العلنية والاعتذار الصادق والتعويض العادل، يمكن أن تقطع الطريق على نزعة الانتقام المتفشية وتعزز مناخ الثقة المتبادلة بين مختلف فئات المجتمع.
بهذا المعنى، يصبح الالتزام الصارم بالعدالة الانتقالية – بأبعادها القانونية والأخلاقية والإنسانية – الضامن الأهم لتحقيق استقرار مجتمعي حقيقي يضع حدًا لدوائر العنف المفرغة، وينتقل بالشعب من مرحلة الصراع والنزاع إلى طور التعافي وإعادة البناء على أسس عادلة وشاملة للجميع.
التوصيات والمقترحات العملية
1- للحكومة المستقبلية
- تشريعات واضحة وصارمة: من الضروري والملح سن قوانين تجرم صراحة إنكار أو تبرير جرائم نظام الأسد، بحيث توفر تلك النصوص غطاء قانونيًا متينًا لمحاسبة كل من ينخرط في تبرير أعمال ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. قد يستفيد واضعو التشريعات من التجارب المقارنة الناجحة، لتأطير النصوص بما يراعي الخصوصية السورية.
- إدراج جرائم النظام في المناهج والبرامج الإعلامية: لا يكفي مجرد سن القوانين دون توفير الوعي المجتمعي اللازم. لذا، ينبغي تضمين الجرائم والفظائع التي ارتكبها النظام في مناهج التعليم المدرسية والجامعية على حد سواء، وذلك لضمان ألا تتكرر مآسي الماضي الأليم. كما يجدر بالبرامج الإعلامية الرسمية التركيز بشكل مكثف على توثيق تلك الانتهاكات، مع تسليط الضوء على شهادات الضحايا وذويهم المفجوعين حتى يكون الرأي العام على دراية حقيقية بما حصل.
- توفير آليات تنفيذية فعالة: لضمان ألا تبقى هذه التوصيات القيمة في حيز النظريات المجردة، يجب إنشاء هيئة أو لجنة حكومية مستقلة تعنى بمراقبة تنفيذ القوانين المتعلقة بتجريم التبرير، وتتولى تنسيق الجهود مع الجهاز القضائي المختص لملاحقة المخالفين وتقديمهم للعدالة. فضلًا عن ذلك، يمكن لهذه الهيئة العمل الدؤوب على تطوير سياسات تربوية وثقافية مبتكرة تساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساءلة المجتمعية.
2- للإعلام
وضع معايير أخلاقية ومهنية رفيعة: تعتبر وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها مرآة المجتمع وصانعة الرأي العام، وعليه، لا يجوز لها بأي حال من الأحوال منح منبر لمروجين لخطاب يحرض على العنف أو يقلل من خطورة الجرائم الموثقة.
يجب وضع ميثاق شرف إعلامي ملزم للجميع يرفض رفضًا قاطعًا استضافة أي شخصية تبرر الجرائم الدولية الفظيعة مثل التي ارتكبها نظام الأسد، ويلزم المؤسسات بالتحقق المسبق من محتوى الضيف وأرشيفه وتصريحاته السابقة المثيرة للجدل.
إنتاج محتوى توعوي وتثقيفي هادف: الإعلام قادر على إحداث فرق ملموس في عملية بناء الذاكرة الجماعية. فمن واجب المؤسسات الإعلامية توظيف تقارير توثيقية عالية الجودة وأفلام وثائقية مؤثرة وبرامج حوارية معمقة تشرح جذور الانتهاكات بحق الشعب السوري، وتبين آثارها المدمرة على النسيج الاجتماعي المتمزق. مثل هذا المحتوى يسهم بشكل فعال في ترسيخ ثقافة المحاسبة والتعاطف الحقيقي مع الضحايا.
عدم تحول حرية التعبير إلى ذريعة للإفلات من المحاسبة: ينبغي للمؤسسات الإعلامية إدراك الخط الفاصل الدقيق بين حرية الرأي المكفولة، وبين الدعاية المضللة التي تبرر الجريمة النكراء. إن الالتزام الصارم بالموضوعية والحياد في المعالجة الصحفية يقتضي إظهار الحقائق جلية من مصادر موثوقة والتصدي الحازم لنشر الأكاذيب أو أي تضليل يستبيح معاناة الضحايا وآلامهم.
3- للداعمين أو المبررين
- إعادة الممتلكات المنهوبة: إذا كانت هناك أملاك أو موارد استولى عليها الداعمون أثناء حقبة نظام الأسد، فيجب أن تعاد هذه الممتلكات إلى أصحابها الشرعيين فورًا، بما يشكل بداية حقيقية للاعتراف بالأضرار المادية والمعنوية الواضحة.
- الاعتذار الصادق والتعويض العادل: من الضروري توجيه اعتذار علني مكتوب ومصور يقر صراحة بالمسؤولية الأخلاقية عن دعم نظام مارس أبشع الجرائم بحق مواطنيه العزل، على أن يتضمن خطة واضحة لتعويض الضحايا ماليًا ومعنويًا. ويعد هذا التعويض جزءًا لا يتجزأ من جبر الضرر المبكر الذي يعزز الشعور بالإنصاف والعدالة قبل انتظار المسارات القضائية المطولة.
- عدم تكرار الفعل الشنيع والابتعاد عن المناصب العامة: إن تحمل المسؤولية الكاملة لا يتوقف عند مجرد الاعتراف العلني بالخطأ، بل يستلزم الالتزام العملي بعدم شغل أي مناصب قيادية حساسة في المستقبل، فلا يمكن لشخص برر القتل أو التصفية أن يتولى شأنًا عامًا دون المرور بمحاسبة شفافة وحقيقية.
- الامتناع التام عن الظهور الإعلامي: قبل القيام بهذه الخطوات البناءة من الاعتذار الصادق وإعادة الممتلكات المسلوبة وتعويض الضحايا المتضررين، يجب الامتناع تمامًا عن الظهور الإعلامي بأي شكل من الأشكال، إذ لا يعقل بتاتًا أن يمنح المبررون منصة جديدة لتعزيز سردياتهم المؤذية من دون أي إشارة واضحة إلى الندم أو تحمل مسؤولياتهم الأدبية والقانونية كاملة.
الخاتمة
في ضوء ما سبق عرضه من حجج وبراهين دامغة، يتضح جليًا أن إقصاء الخطاب الذي يبرر جرائم نظام الأسد ليس مجرد مطلب عاطفي محض يحاكي آلام الضحايا ومعاناتهم، بل هو عنصر جوهري وأساسي في أي عملية عدالة انتقالية تهدف إلى ضمان عدم تكرار المآسي الماضية وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
فكلما سمح للأصوات المبررة بالظهور المتكرر وتوظيف المنابر الإعلامية لتبرئة الجلاد أو الاستخفاف بجرائمه المروعة، ازداد خطر إحياء مناخ القمع والاستبداد، وتعميق مشاعر الانتقام اليائسة لدى من عانوا وذاقوا ويلات النظام القمعي.
ولهذا، فإنني أدعو القراء الكرام وشرائح الرأي العام المختلفة إلى تكثيف الضغط الهادف على المؤسسات الحكومية والإعلامية المستقلة العربية والأجنبية كي تتبنى هذه الإجراءات والتوصيات المقترحة على نحو جاد وفعال، فإصدار تشريعات رادعة واستحداث ضوابط مهنية صارمة في المشهد الإعلامي تدابير لا بديل عنها لإرساء ثقافة المساءلة والمحاسبة واسترداد ثقة الجمهور بدور وقدرة الإعلام الفعال في مناصرة حقوقهم والدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة.
إن تفعيل هذه الخطوات يسهم بشكل كبير في بناء أرضية حقوقية صلبة لدور الإعلام المحوري في تحقيق العدالة والمحاسبة، حيث تمحى إلى الأبد ثقافة إفلات المجرمين والداعمين من العقاب، وتزرع بديلًا منها ثقافة الانفتاح على الحقيقة والمصالحة عبر خطوات عملية واضحة، ويصبح مبدأ العدالة حجر الزاوية في إدارة الشأن العام، وينمو وعي مجتمعي راسخ بقيم حقوق الإنسان النبيلة.
وفي مثل هذه الأجواء الإيجابية فقط يمكن للسوريين أن يخطوا بثبات واقتدار نحو طي صفحة الاستبداد إلى غير رجعة وتأمين مستقبل مشرق وزاهر للأجيال القادمة.